وفي هذا المقال نقف باحترام كلِّيٍّ أمامَ واحدٍ من أشهر مهذبي النفس السيئة والمسيئة، لنراها وهي تتطهر في أشعة “جلال الدين” النقية، فتخرجها من الفساد إلى الصلاح، ومن الجشع إلى الاقتناع، ومن البغض إلى المحبة، بغية إصلاح المجتمع، وتطهيره من الأوبئة، وتنظيفه من الأنانية. لقد خطّ “جلال الدين” بسلوكه وكُتُبِه للإنسانية منهج الخلاص، ليبعدها عن البغضاء والحقد، ولتلين قسوتها، ولتصبح ناعمة الملمس، طيبة الأثر. ذلك أنَّ قوة الروح أقوى من المادة، وأهدى سبيلا، وأبقى أثراً، ومن هنا أدرك مولانا “جلال الدين” الطريق الحق إلى الوصول بالإنسانية الى مصافِّ النقاء، والارتفاع بها من جشع المادة -بكل أشكالها- إلى مصافِّ الإنسان، ليتجنَّب سفك الدماء.
كم هو عظيمٌ “جلال الدين” الذي تحدَّث عنه أستاذنا “بركات” في أسلوبٍ يكاد يضيء روحانيةً وصفاءً: «اعتصر مولانا معارف الإنسانية في مسيرتها المديدة نحو كشف المجهول، وجهودها المتراكمة لتربية النفس الأمارة بالسوء، فغدت رائعته الموسومة بحقٍّ “المثنوي المعنوي” دائرة المعارف الإسلامية والإنسانية. إليها انتهت جهود المسلمين قبله في التفكير والتعبير، بدءاً بتفسير القرآن، مروراً بتفهُّم الحديث النبوي، عبوراً إلى أحكام أصول الدين والفقه ومسائل علم الكلام والحكمة، أخذاً بما آلت إليه علوم الأوائل أيضاً في ميادين الرياضيات والهندسة والفلك والطب والتاريخ والأدب وحياة المجتمعات وسواها مما له صلة بجسم الإنسان وعقله ونفسه وروحه وُبعده الغيبي».