يستهل العدد بمقال له صلة بتلك المثل العليا التي أورثها الحسين بن علي أبو الشهداء لأتباعه، والسائرين على منهجه، في مقاومة الظلم والظالمين، وليس من المصادفة في شيء أن تبدأ محنة الشهيد الفيلسوف محمد بن صالح السماوي، الملقب بـ «ابن حريوة» في نفس الشهر الذي استشهد فيه أبو الشهداء عليه السلام، والذي أثبت أن دمه الزكي بقي مشعاً يضيء الدرب لكل من آنس في نفسه الغيرة على دين المساواة والإخاء والعدالة، فيرفع سيفه أو يشرع قلمه أو ينطق لسانه فيدافع عن مظالم وينتصر لكل حق مسلوب. وللسان والقلم – كالسيف – دور معلوم يدافع به عن المظلوم. وكان ابن حريوة متشبعاً بقضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان مؤمناً بالخروج على الظالم إذا لم يرجع عن غيّه، وكان يدعو إلى ذاك، فهو -كما وُصف- «لا يخشى في الله لومة لائم»، وإن الإنسان ليعجب من جرأته في وقت بلغت فيه صولة إمام وقته «المهدي عبد الله» ذروتها، فخافه القوي الشديد، ووصلت فيه مكانة العلماء دركها، فاجتبه كبار العلماء، فلم يأمره أحد بمعروف، ولم ينهه أحد عن منكر إلا ابن حريوة، فقد رفع صوته قوياً ضد المهدي، وسط ذلك الصمت المنعقد، فقتله المهدي وعذبه عذاباً نكراً، ونحره نحراً بشعاً، وصلبه، فكان صلبه كما قال شاعر الإسلام أحمد شوقي في الشهيد الكبير عمر المختار:
نصبوا رفاتك في الرمال لواء | يستنهض الوادي صباح مساء | |
يا ويحهم نصبو مناراً من دم | يوحي إلى جيل الغد البغضاء | |
جرح يصيح على المدى | وضحية تتلمس الحرية الحمراء |
وكان أول نتائج شهادته أن تحول دمه نوراً أضاء الطريق للإمامين: أحمد بن علي السراجي (1250هـ/1834م) والحسين بن علي المؤيدي (1251هـ/1835م)، وأسقط نظام المهدي وأبيه وجده. وأثبت الدم الشهيد أنه المنتصر في نهاية المطاف، وأن مُثل الحسين بن علي لم تنطف ولن تنطفي.