نرى – في مركز التراث والبحوث المين – أن التقريب بين المذاهب الإسلامية والقبول بالرأي الآخر وحرية التعبير هو السبيل الوحيد لإطفاء حرائق التعصب التي يشعلها السياسيون وعلماء السلطة والمتعصبون، والتي سيخف حوار الفتنة ويغمد منطق السيف ويقوم مقامهما حوار القلم الرصين، وكذلك فإنها تعيق بكل تأكيد طريق المستقبل والاستفادة من إيجابيات الحضارة المعاصرة، فإذا تم ذلك فإن البغضاء ستزول تدريجياً، والنار ستتضاءل، وسيحل محلها حوار المحبة والحضارة، ويتكون من هذه الثقافة تيارٌ معرفيٌ إنسانيٌ تنمو في حقوله اليانعة ثقافة الإنسان، ومنها تنبثق سياسة الإنسان، لأن ما يجري اليوم – كما قلت مراراً – سياسة تخلق ثقافة كراهية وإماته، ونحن نريد ثقافة رفيعة تخلق سياسة رفيعة، ولن تنجح إلا إذا أصبحت الثقافة من القوة بحيث تنشأ سياستها مالم فستظل السياسة التسلطية تستخدم ثقافتها السائدة، فلتغتسل القلوب من أحقادها، ولتتوقف السهام عن انهمارها أولاً كي يبدأ الحوار دوره الفعال.
تحس مجلة المسار أن رسالتها مستمرة في العمل من أجل إحياء مناخ ترفرف فيه أجنحة الرحمة، وتتعالى فيه أنغام المحبة، وينطفئ فيه فحيح البغضاء، ويتحقق قول الله سبحانه وتعالى:﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾[المائدة : 2]، ومما لاشك فيه أن من أشد العدوان شراسةً؛ قضية التكفير بين المذاهب الإسلامية، ومن الملاحظ عبر التاريخ أنّ ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾[النحل : 125] لم تجد إلى ألسنتهم سبيلًا، بل نجد التراشق بالتكفير والتفسيق ينطلق من ألسنتهم وأقلامهم أسرع من سيل مُنحدر، ومن هنا عمدت المسار إلى العمل الجاد للعودة إلى الحوار بروح صافية، فالكل مسلمون يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.
وأوامر القرآن الكريم بالانفتاح والتسامح أكثر من أن تعد، فإذا كان القرآن يتعامل مع غير المسلمين بهذه الطريقة فكيف لعلماء التمذهب أن يُكفِّروا بعضهم بعضًا!!، ولم يعملوا بما أُمروا به!!.
في ظرف حزين مؤلم تمر به البلاد العربية، وتحت سماء تمطر لهباً، وأرض تتفجر براكين، وأبرياء يتساقطون، وأنين يتصاعد، لا يزال القائمون على «مجلة المسار» يشقون طريقهم بشجاعة نحو التنوير المتقدم والمراجعة المسؤولة، سلاحهم الكلمة الصادقة مهما كانت الصعاب، علماً منهم بأن الكلمة هي الباقية، وهي الدرع الواقي للأمة، الهادي إلى طريق المستقبل، ومن لا يملك كلمة فهو لا يملك شيئاً سوى غريزته المتوحشة. وحتى تحقيق الرسالة غايتها عليها تطهير الينابيع مما ألقي عليها من مواد التغيير والتلوين والإفساد، وعندئذ تتطهر المصبات فيشرب الناس منها ماءً أخوياً نقياً.