تجاوزت «مجلة المسار» – بفضل الله وجهد القائمين عليها والمشاركين فيها – العدد الخمسين من حياتها الخصبة، مُنهية – بوقار علمي رصين – عامها السابع عشر، بطريقة متطورة وخُطى ثابتة وتصميم مستمر، بدون كلل.
وفي هذا العدد يجد القراء مقالات متنوعة، يؤلف بينها هدف واحد هو: الموضوعية، ويجانس بينهما مشترك واحد هو: تبليغ ما تعتقد أنه صواباً، وهي في نفس الوقت تفتح أبوابها للتقويم المرشد والنّقد البناء، مرحبة بكل قلم يضيف جديداً أو يقوِّم اعوجاجاً أو يصحح خطأً، متلقية ذلك بالقبول؛ بل بالترحيب الواسع.
تدخل «مجلة المسار» الفكرية عددها الخمسين متينة الخُطى، واضحة الهدف، ثابتة على المبدأ؛ لم تغيرها الأحداث العدوانية الخارجية، ولا الانشقاقات الداخلية، عما أعدَّت نفسها له، وسعت من أجله، وعَمِلت على تحقيقه، ضمن رؤية أوضاعٍ مبنيةٍ على خلل، وتَعْرف أن المساق التاريخي الفردي واصل جنونه بدفع قوي من منابعه الدموية، وتَعْرف أنه إذا ما بقي بتركيبته هذه فسوف يظل سيفاً دامياً، ورمحاً قاتلاً، يواصل مهمة الذبح والجَزْر، وشرب الدم، وأكل الجثث القتيلة، وما لم يعد العقل الغائب والمغيب إلى دور القائد، فإن الغاب سيظل يغلي بغرائزه الوحشية.
لهذا كله تعتقد «مجلة المسار» أن عليها تطهير النّفس السياسية العميقة من آثامها وتجفيف منابع الانحراف الديني، والفقه السياسي التضليلي، اللذان هما من أهم المصادر التي تثير العنف وتنتج الصراعات وحب القتل، والتلذذ باستباحة كل محرم.. وهي لهذا تحاول كشف نوازع الشر بغية اتقائه، وتطهير النفس من التديين المضل والمضلل، وتنظيفها من الفقه السياسي الخادع، إلى أن يتبين الناس ماذا يكنون في أنفسهم من فجائع.
يكون قد مر على الثورة الدستورية 70 عاماً هجرياً، أو 66 عاماً ميلادياً، ويكاد الناس ينسون أسبابها ودوافعها ونضال أبنائها، واستشهاد علمائها ومثقفيها، ولا يذكرها بعضهم -إن أحسنوا الظن-إلا أنها الثورة الأم التي تمخضت عنها بقية الثورات والانقلابات دون أن يذكروا أسبابها وما أحدثته من تغيير في الفقه السياسي السائد لأول مرة في تاريخ المسلمين، حيث سلبت من حقوق الإمام المقدس معظم حقوقه، كما أن البعض لا يعتبرها إلا استبدالَ إمامٍ بـإمام أو تطاحن أسر!!! الخ. وأنا أزعم أن ذلك بسبب نقص المعرفة بها وبدوافعها ومضامينها فلم يتناولوا مضامينها بدراسة، وإنما حاموا حول الشخصيات يقيسون الثورة من خلال الرجال ولم يقيسوا الرجال من خلال المضامين الدستورية، مما أثبت أن عبادة الشخصيات هي المستأثرة بالمفاهيم.