د. برنارد هيكل/ و أ. د. آرون زيسو

ترجمة:ترجمة: عبد الكريم الوظاف

البنية الفقهية لمذهب الزيدية (جدل في التكوين والمرجعية)

دراسة موسعة لجدل قديم حديث حول ما أثاره الزيود عن مرجعية مذاهبهم الفقهية، وكيف تكونت في ظل العدد الكبير من المجتهدين؟ كتبها كل من «أ. د برنارد هيكل/ وأ. د. آرون زيسو» وتضمنت نقاشا لما أثارته أبيات عُرفت بـ«عقود التشكيك» وما ورد عليها من ردود.

يطالع الدكتور عبد الكريم الوظاف قراء «المسار» بترجمة مقال ممتع تحت عنوان: «البنية الفقهية لمذهب الزيدية.. جدل في التكوين ومرجعية الاختيارات»، وهو مقال مهم كتبه كل من الدكتور: برنارد هيكل، والدكتور: آرون زيسو. حيث تناولا في مقالهما هذا ثلاثة عناوين رئيسية: تساؤلات عن نشأة المذهب. والجدل حول البنية الفقهية للمذهب. ونشر رسالة (التفكيك لعقود التشكيك) للعلامة الكبير يوسف إسحاق.

وبدأ د. الوظاف في تقديمه لترجمة المقال، بالتعريف بالدكتورين، واختصاص كل منهما، وفي أية مجلة نشر فيها هذا المقال، معتبرًا -وأنا أشركه- أنه يسهم «في دراسة أصول المذهب الزيدي، من خلال رؤية زيدية، وكيف تطور المذهب الزيدي ليكون بهذه الصورة، بدايةً بأصحاب النصوص، ومن يليهم من المخرِّجين والمحصلين والمُذاكرين».

وعلى الرغم من أنني أتفق مع كثير مما تناوله المقال، إلا أنني أجد نفسي على خلاف مع ما ورد فيه من توصيف المدرسة الزيدية بالمذهب في بعض الفقرات، فالزيدية – برأيي – ليست مذهبًا تنطبق عليها هذه التسمية، بل تُعد «مدرسة فكرية» بالدرجة الأولى، شأنها شأن المدارس الأخرى، التي بلغت نحو ثلاثين مدرسة منتشرة في جميع أنحاء العالم الإسلامي، قبل أن يؤطرها الخليفة العباسي في أربعة مذاهب، عرفت بالمذاهب الأربعة، فانغلقت على نفسها، وكيّفت نفسها وفق ذلك، وبقيت تعيد نفسها دون أن تضيف إلى علمها علمًا، أما الزيدية – وهي تؤمن بالاجتهاد المطلق وتمنع التقليد – فقد بقيت بنجوة عن ذلك المصير الجاف، ولم يكن في وسعها أن تنغلق في إطار حديدي لا تتجدد داخله رياح تغيير ولا تطوير.

وإذ أخالفهما في هذه النقطة، فأتفق معهما في قولهما «إن من وافق الإمام زيد بن علي في المسائل اللاهوتية [أي علم أصول الدين] والسياسية، أيضًا، فهو زيدي، وإن خالفه في الفروع». وإذن فليس هناك حواجز تمنع الاجتهاد المطلق في المدرسة الزيدية، ومادام الأمر كذلك فليس إلى تسميتها بمذهب من سبيل، لأنها تحلق داخله وخارجه، وقد أختلف معهما في نقاط أخرى، ويتفق معهما غيري، وهذه طبيعة الأبحاث الجادة الذي يتخلق منها تطور مفيد، ويحول بجدارة دون احتكار صواب الرأي الواحد الذي يؤدي حتمًا إلى إعاقة بالغة لنمو الفكر.

ومما يؤكد أن الزيدية مدرسة وليست مذهبًا، أن أتباعها، بشكل عام، لم يتَّبعوا الآراء الفقهية لزيد، بل خالفوه في مسائل فقهية كلامية كثيرة، وأصروا على أن حركتهم لم تتأسس على تعاليم فقهية، كما قال المؤلفان. وهذا وذاك أمر لا يسمح به مصطلح “مذهب”، ولكن يسمح به مصطلح “مدرسة”، وقد كان مؤلفو المذاهب الإسلامية يضعون “الزيدية” بين الفرق كالمعتزلة وغيرها.

ومهما ذكرت من ملاحظات، فإن هذا المقال من أوسع المقالات علمًا، وأكثرها إحاطة، وأدقها التزامًا، تناول المؤلفان فيه بالدراسة والتحليل الجيدين، وتعرضا للبحث فيه بوسائل موضوعية بدءًا من تساؤل شاعر: هل الزيدية مذهب؟ واستمرارًا في محاولة فهم الجواب حتى وصلا إلى جواب السؤال، فكان هذا البحث الممتع الذي طاف حول «أهم التحديات التي تُواجه التماسك الداخلي للزيدية، سواءً من الداخل أو من الخارج، بالإضافة إلى مجموعة تمثيلية من الردود على هذه التحديات. وتَشمل هذه التحديات نقدًا، بعيد المدى، لبنية المرجعية الفقهية داخل الزيدية، التي لها آثار واضحة على الفقه الإسلامي، بشكل عام. وكان أحد الاعتراضات الخطيرة، التي تم طرحها على زيدية اليمن، هو سؤال القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي، عن طبيعة ارتباطهم بزيد بن علي (المُتوفى 122هـ/740م)، من حيث إن الزيدية، بشكل عام، لم يتَّبعوا الآراء الفقهية لزيد، كما كان النموذج المألوف من التقاليد الفقهية السُّنِّية الرائدة (المذاهب). وكان السؤال الثاني، المُلِحّ، بالنسبة للزيدية، بالنظر إلى مركزية الإمامة، هو كيفية تبرير الخلاف الفقهي».

ولا أريد أن أقتطف منه فحواه حتى أترك القارئ نفسه يقطف من ثماره ما يريد.

د. برنارد هيكل/ و أ. د. آرون زيسو

ترجمة:ترجمة: عبد الكريم الوظاف

البنية الفقهية لمذهب الزيدية (جدل في التكوين والمرجعية)

دراسة موسعة لجدل قديم حديث حول ما أثاره الزيود عن مرجعية مذاهبهم الفقهية، وكيف تكونت في ظل العدد الكبير من المجتهدين؟ كتبها كل من «أ. د برنارد هيكل/ وأ. د. آرون زيسو» وتضمنت نقاشا لما أثارته أبيات عُرفت بـ«عقود التشكيك» وما ورد عليها من ردود.

يطالع الدكتور عبد الكريم الوظاف قراء «المسار» بترجمة مقال ممتع تحت عنوان: «البنية الفقهية لمذهب الزيدية.. جدل في التكوين ومرجعية الاختيارات»، وهو مقال مهم كتبه كل من الدكتور: برنارد هيكل، والدكتور: آرون زيسو. حيث تناولا في مقالهما هذا ثلاثة عناوين رئيسية: تساؤلات عن نشأة المذهب. والجدل حول البنية الفقهية للمذهب. ونشر رسالة (التفكيك لعقود التشكيك) للعلامة الكبير يوسف إسحاق.

وبدأ د. الوظاف في تقديمه لترجمة المقال، بالتعريف بالدكتورين، واختصاص كل منهما، وفي أية مجلة نشر فيها هذا المقال، معتبرًا -وأنا أشركه- أنه يسهم «في دراسة أصول المذهب الزيدي، من خلال رؤية زيدية، وكيف تطور المذهب الزيدي ليكون بهذه الصورة، بدايةً بأصحاب النصوص، ومن يليهم من المخرِّجين والمحصلين والمُذاكرين».

وعلى الرغم من أنني أتفق مع كثير مما تناوله المقال، إلا أنني أجد نفسي على خلاف مع ما ورد فيه من توصيف المدرسة الزيدية بالمذهب في بعض الفقرات، فالزيدية – برأيي – ليست مذهبًا تنطبق عليها هذه التسمية، بل تُعد «مدرسة فكرية» بالدرجة الأولى، شأنها شأن المدارس الأخرى، التي بلغت نحو ثلاثين مدرسة منتشرة في جميع أنحاء العالم الإسلامي، قبل أن يؤطرها الخليفة العباسي في أربعة مذاهب، عرفت بالمذاهب الأربعة، فانغلقت على نفسها، وكيّفت نفسها وفق ذلك، وبقيت تعيد نفسها دون أن تضيف إلى علمها علمًا، أما الزيدية – وهي تؤمن بالاجتهاد المطلق وتمنع التقليد – فقد بقيت بنجوة عن ذلك المصير الجاف، ولم يكن في وسعها أن تنغلق في إطار حديدي لا تتجدد داخله رياح تغيير ولا تطوير.

وإذ أخالفهما في هذه النقطة، فأتفق معهما في قولهما «إن من وافق الإمام زيد بن علي في المسائل اللاهوتية [أي علم أصول الدين] والسياسية، أيضًا، فهو زيدي، وإن خالفه في الفروع». وإذن فليس هناك حواجز تمنع الاجتهاد المطلق في المدرسة الزيدية، ومادام الأمر كذلك فليس إلى تسميتها بمذهب من سبيل، لأنها تحلق داخله وخارجه، وقد أختلف معهما في نقاط أخرى، ويتفق معهما غيري، وهذه طبيعة الأبحاث الجادة الذي يتخلق منها تطور مفيد، ويحول بجدارة دون احتكار صواب الرأي الواحد الذي يؤدي حتمًا إلى إعاقة بالغة لنمو الفكر.

ومما يؤكد أن الزيدية مدرسة وليست مذهبًا، أن أتباعها، بشكل عام، لم يتَّبعوا الآراء الفقهية لزيد، بل خالفوه في مسائل فقهية كلامية كثيرة، وأصروا على أن حركتهم لم تتأسس على تعاليم فقهية، كما قال المؤلفان. وهذا وذاك أمر لا يسمح به مصطلح “مذهب”، ولكن يسمح به مصطلح “مدرسة”، وقد كان مؤلفو المذاهب الإسلامية يضعون “الزيدية” بين الفرق كالمعتزلة وغيرها.

ومهما ذكرت من ملاحظات، فإن هذا المقال من أوسع المقالات علمًا، وأكثرها إحاطة، وأدقها التزامًا، تناول المؤلفان فيه بالدراسة والتحليل الجيدين، وتعرضا للبحث فيه بوسائل موضوعية بدءًا من تساؤل شاعر: هل الزيدية مذهب؟ واستمرارًا في محاولة فهم الجواب حتى وصلا إلى جواب السؤال، فكان هذا البحث الممتع الذي طاف حول «أهم التحديات التي تُواجه التماسك الداخلي للزيدية، سواءً من الداخل أو من الخارج، بالإضافة إلى مجموعة تمثيلية من الردود على هذه التحديات. وتَشمل هذه التحديات نقدًا، بعيد المدى، لبنية المرجعية الفقهية داخل الزيدية، التي لها آثار واضحة على الفقه الإسلامي، بشكل عام. وكان أحد الاعتراضات الخطيرة، التي تم طرحها على زيدية اليمن، هو سؤال القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي، عن طبيعة ارتباطهم بزيد بن علي (المُتوفى 122هـ/740م)، من حيث إن الزيدية، بشكل عام، لم يتَّبعوا الآراء الفقهية لزيد، كما كان النموذج المألوف من التقاليد الفقهية السُّنِّية الرائدة (المذاهب). وكان السؤال الثاني، المُلِحّ، بالنسبة للزيدية، بالنظر إلى مركزية الإمامة، هو كيفية تبرير الخلاف الفقهي».

ولا أريد أن أقتطف منه فحواه حتى أترك القارئ نفسه يقطف من ثماره ما يريد.